اكتب ما تود البحت عنه و اضغط Enter

السبت، 4 أغسطس 2018

ايات عرابي تكتب عن أحمد أبو بكر المقدم الشاب الذي ضاقت به السبل


خلال الأيام الماضية، وبينما كانت رقصة كيكي تغزو فضاء الميديا في مصر، كان الانقلاب منشغلا بتصفية عدد من الشباب الذين اعتقلهم في وقت سابق، لتعلن وسائل الإعلام الانقلابية فيما بعد أنه تم قتلهم في تبادل إطلاق نار، وهي الحيلة القديمة ذاتها التي اعتمدها انقلاب تشيلي، وصارت من بصماته، وهي سياسة تزييف المواجهات. 


ما نجح فيه الانقلاب في الخمس سنوات الماضية، ليس فقط رفع الدعم بخطط ثابتة ووفق سياسة إعلامية ناجحة استطاع بها تفريغ الضغط المتوقع والتعامل بالتوازي مع مظاهر الرفض المجتمعي لعملية الانقلاب العسكري وامتصاصها، ولم ينجح فقط في تمرير بناء سد النهضة رغم حالة التربص الشعبي ضده، التي سبقت الانقلاب، بل إن أهم ما نجح فيه الانقلاب هو جعل الحياة في مصر جحيما حقيقيا. 

وكانت مجزرة رابعة التي تحل بعد أقل من أسبوعين، ذكراها الخامسة، إيذانا بتدشين عهد الدم في مصر. 

صحيح أن رابعة لم تكن المجزرة الأولى، وأنه قد سبقتها مجازر أخرى أصغر حجما، كروافد صغيرة تغذي نهرا أوسع وأكبر حجما وأكثر دموية، لكنها كانت أكبرها حجما وأشدها بشاعة. 

ومن خلف رابعة، جاءت مجازر عدة أخرى، مثل مجزرة رمسيس، ومجزرة عربة الترحيلات، ومع كل مجزرة كانت المشاهد الدموية تتراكم وتعلو مثل جبل صار يجثم على أنفاس الجميع، ومن كل تلك المشاهد كانت رائحة الدماء تتصاعد حتى زكمت الأنوف وحتى صار الأفق كله أحمر اللون. 

ومن خلف هذه المشاهد أيضا، وبعد أن خفت صوت الرصاص قليلا، وهبط غبار المذابح شيئا ما، وأخذت الأدخنة السوداء في الانقشاع رويدا رويدا، بدأت تتكشف مظاهر الخراب الذي لم يترك ركنا إلا وضربه. 

انخلع عن مصر رداء الأمن، وظهرت تلك الصورة المكفهرة العابسة القاتمة، خلفيتها موسيقى مفتعلة واحتفالات للعسكر برخاء لن يأتي، وبوعود علم الجميع من اللحظة الأولى أنها لن تتحقق، وبابتسامات زائفة. 

وفي خلفية تلك الصورة، وبينما كان العسكر يستعيدون سيطرتهم وبصورة خشنة متبجحة على كل شيء في المجتمع، كانت هناك تلك الشظايا التي تحاول استرداد أنفاسها واستيعاب أن ما حدث قد حدث. 

تصور الطفل الذي كان يصرخ في أمه، وهو يرى مظاهر الفرح المفتعل على نغمات تلك الأغنية القبيحة التي جعلوها عنوانا للمرحلة الانقلابية. تصور بعض الناجين من رابعة الذين شاهدوا أعمدة الدخان تتصاعد فوق جثامين زملائهم في ذلك اليوم، الذين رأوا المسجد وهو يحترق أو كفنوا رفاقا لهم، وهم يشاهدون ما سمي بمراسم تنصيب عسكري الانقلاب، لقد انكسر داخل هؤلاء شيء ما، يعلم الله وحده متى يلتئم. 

هذه المشاهد من دخان ودماء وجثامين شهداء، ومجازر تلو مجازر وأخبار عن اعتداءات حتى على جنائز الشهداء، تركت في نفوس الكثيرين ندوبا، ربما كان أحمد أبو بكر المقدم واحدا من هؤلاء. 

شاهدت تلك المعاناة المحفورة في نفسه وهو يتكلم بلهجة من صارت المعاناة جزءا من تكوينه. هذا شاب من مواليد الثمانينيات، ينشغل أترابه في أوروبا بأمور مختلفة تماما عن الفرار إلى السودان ثم إلى كوريا الجنوبية. 

روى الشاب في لحظات قصيرة من الأحداث ما يكفي لصناعة فيلم مأساوي. فقد اقتحمت داخلية الانقلاب منزله واعتقلت أشقاءه، فاضطر هو للهروب إلى السودان، ويبدو من حديثه أنه ظل فترة في السودان حتى اضطر إلى مغادرتها متجها إلى كوريا الجنوبية. 

هذا مسار مرعب. شاب متزوج يضطر إلى ترك منزله في مصر ويفر إلى السودان، والله وحده يعلم الأهوال التي شاهدها الشاب في طريق هربه، ثم يضطر بعد ذلك إلى الهرب إلى كوريا الجنوبية، لترفض تلك الأخيرة طلبه للجوء فيها، وتقرر ترحيله إلى الإمارات، و من ثم إلى مصر. 

إن واجب إنقاذ أحمد ولو حتى بالحديث عنه، صار واجب الجميع الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق